أولاً: هيكل الدين في تركيا
عندما ننظر إلى الدين العام التركي، سنجد أن حجمه ليس بالمشكلة الأساسية. فمستوى الدين عند حدود 25–30% من الناتج المحلي الإجمالي يُعتبر منخفضًا جدًا مقارنة بكثير من الدول، بل وأقل من بعض الاقتصادات الأوروبية الكبرى.
لكن المشكلة الجوهرية لا تكمن في الحجم، بل في التركيبة.
- جزء معتبر من الدين التركي مقوم بالعملات الأجنبية (الدولار أو اليورو).
- هذا يعني أن أي انخفاض في قيمة الليرة التركية يضاعف تكلفة خدمة الدين فورًا، لأن الدولة تضطر لدفع أقساط وفوائد أعلى بالعملة المحلية.
- على سبيل المثال: إذا انخفضت الليرة 10% أمام الدولار، فإن عبء الدين الأجنبي يزيد بنفس النسبة تقريبًا.
هذا ما يجعل الاقتصاد التركي حساسًا جدًا لأي تقلبات في سوق الصرف.
ثانياً: العجز المالي
العجز المالي (الفرق بين الإيرادات العامة والمصروفات) يُعتبر نقطة اختبار مهمة لأي اقتصاد.
- في يوليو 2025، أظهرت الأرقام تحسنًا ملحوظًا.
- لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الإنفاق في تركيا له طابع موسمي:
- في الصيف تزداد المشاريع والبنية التحتية، وبالتالي يزداد الإنفاق العام.
- هذا يخلق تذبذبًا في العجز من شهر لآخر.
مع ذلك، المسار العام يبدو إيجابيًا؛ إذ تتجه تركيا نحو تقليص العجز تدريجيًا ليصل إلى حدود 3% من الناتج المحلي.
وهذا المستوى يعتبر آمنًا ويطابق المعايير الأوروبية (معايير ماستريخت)، ما يعطي إشارة إيجابية للمستثمرين.
ثالثاً: السياسة النقدية والتضخم
التزام الحكومة بضبط العجز يمنح البنك المركزي التركي (CBRT) مساحة أكبر للتحكم في التضخم.
- التضخم كان يتجاوز 60% في 2023، وهو رقم ضخم لأي اقتصاد.
- البنك المركزي يضع هدفًا لخفضه إلى حدود 30% بحلول 2026.
- إذا تحقق هذا الهدف، فسيكون إنجازًا مهمًا يعزز استقرار الاقتصاد الكلي ويزيد ثقة المستثمرين.
مقارنة مع فرنسا
1. الهامش المالي
- تركيا: حتى إذا ارتفعت نسبة الدين 10–15% من الناتج، ستظل أقل بكثير من فرنسا.
- فرنسا: تجاوز الدين فيها 100% من الناتج المحلي، أي أن حجم الدين يساوي كامل حجم الاقتصاد تقريبًا.
2. المخاطر وتكلفة الاقتراض
- فرنسا: تقترض باليورو، وهو عملة احتياط دولية، مما يجعل الفوائد أقل بكثير.
- تركيا: تواجه تكلفة أعلى بسبب علاوة المخاطر، والأسواق تراقبها بحساسية تجاه أي تطورات سياسية أو اقتصادية.
3. الاستدامة
- فرنسا: رغم الدين الضخم، إلا أنها مدعومة بالبنك المركزي الأوروبي، ما يمنحها مظلة أمان.
- تركيا: عليها أن تثبت قدرتها على ضبط الإنفاق وتحقيق الاستقرار المالي بنفسها، لأنها لا تمتلك هذا الدعم الخارجي.
الخلاصة العملية للمستثمر
- تركيا
- حجم الدين منخفض نسبيًا، لكن هناك حساسية عالية لتقلبات سعر الصرف والتضخم.
- العجز المالي يتجه نحو السيطرة، وهذا يعطي ثقة إضافية.
- فرصة استثمارية بعائد أعلى، لكنها تحمل درجة مخاطرة أكبر.
- فرنسا
- دين عام ضخم جدًا، لكنه مستدام على المدى القصير بفضل قوة اليورو والبنك المركزي الأوروبي.
- بيئة استثمارية أكثر استقرارًا، لكنها تقدم عوائد أقل.
- المركزي الأوروبي
- تركيا تمثل فرصة لمن يبحث عن مخاطرة × عائد.
- فرنسا تمثل خيارًا لمن يبحث عن أمان واستقرار حتى لو كان العائد أقل.
اشترك في النقاش