لعبت العديد من العوامل والأسباب في زيادة أسعار العقارات في تركيا خلال سنوات، حتى وصل الأمر إلى عروض الأسعار في سوق العقارات والتي باتت تتجه إلى التسعير بالعملة الصعبة وخاصة الدولار.
ومن أبرز ما يمكن الحديث عنه في هذه المقالة وحول هذا الموضوع، هو الطلب المتنامي على شراء العقارات في تركيا والذي بات يلاحظ عاماً بعد عاما وشهرا بعد شهر، إلى أن شهد هذا القطاع انتعاشاً غير مسبوق مقارنة بقطاعات أخرى، وبالتالي باتت الأسعار تقفز إلى مستويات عادت على أصحابها المستثمرين بأرباح معقولة ومميزة.
ووسط عوامل اقتصادية وعلى رأسها ما تمر به الليرة التركية وتأثير ذلك على قطاعات أخرى، إلا أن المستثمر العقاري يدرك أن أكثر الفرص الاستثمارية ربحاً تتشكل عندما يكون الإقبال على الاستثمار متراجعاً بسبب مخاوف لا علاقة لها بالاستثمار العقاري .
وتتباين ردود الفعل من قبل مختصين ومهتمين بالقطاع العقاري حول الارتفاع الملحوظ لأسعار العقارات وتسعيرها بالعملة الأجنبية، بين من يعتبر أن هذا الارتفاع منطقي نظرا لأن قطاع العقارات بشكل عام ذو فرص استثمارية تتجدد باستمرار ولذلك من المهم البدء بهذا الاستثمار حالما تصبح الإمكانية متوفرة، وبين من يعتبر أن مسألة الأسعار المرتفعة أمر مبالغ به ومن أجل ذلك يحاولون التريث في شراء عقار في تركيا ومعظمهم يأخذ قراراً بتأجيل فكرة التملك مجدداً لعل أسعار العقارات تعود لما كانت عليه في السابق.
لكن بشكل مستمر وفي كل عام، تشير المعطيات في قطاع العقارات إلى مواصلة أسعار العقارات بالارتفاع وأن الفرصة قد تكون سانحة اليوم للتملك وتحقيق العوائد والأرباح المالية، بدلاً من التريث والتأجيل.
ومن العوامل التي تلعب دورا في ارتفاع أسعار العقارات هي مسألة التضخم، ورغم أن التضخم هو أمر عالمي وليس محصوراً على تركيا ويتناسب قياساً مع أسعار الصرف وزيادة الطلب على المُنتج مهما كان نوعه، إلا أن جميع المنتجات الغذائية والنسيجية والكيماوية والمنظفات والسيارات وغيرها في تركيا شهدت زيادة غير مسبوقة في أسعارها نتيجة التضخم الحاصل في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
كما شهد سوق العقارات في تركيا ارتفاعاً في أسعار العقارات خلال العامين الأخيرين بشكل غير مسبوق، وسجلت عقارات بعض المدن مثل إسطنبول أكبر نسبة ارتفاع في مؤشر أسعار العقارات العالمي.
ويرى مهتمون أن بعد تعافي تركيا من جائحة كورونا، شهد العام 2021 إقبالاً واضحاً على شراء العقارات في تركيا، حتى بات يطلق على هذا العام بأنه عام العقارات في تركيا، واستمر الحال حتى نهاية العام 2022، وسط التوقعات بأن العام 2023 سيكون هو الآخر عاماً مميزا لهذا القطاع.
وفي سياق العوامل الأخرى، نرى ما يجري في أوكرانيا من تطورات أدت إلى زيادة كبيرة في أسعار النفط، ودفعت بالمستثمرين للذهاب إلى الملاذات الآمنة للاستثمار مثل امتلاك العقارات بدلاً من فتح الأنشطة التجارية التي قد تتوقف في حال تطورت الأحداث في أوكرانيا.
لكن رغم ارتفاع أسعار العقارات والمنازل في تركيا إلا أن الطلب عليها في نمو كبير بسبب الحملات الترويجية من قبل البنوك وخفض أسعار الفائدة على قروض الإسكان، علاوة على ذلك شجعت الحكومة التركية المستثمرين الأجانب من خلال برنامج الجنسية التركية.
ونجد أن لتخبط الليرة التركية دور مهم أيضاً في زيادة أسعار العقارات، ولكن رغم التداعيات السلبية لانخفاض قيمة الليرة التركية على المواطنين الأتراك، إلا أنه شجع المستثمرين الأجانب في الإقبال على شراء العقارات بتركيا، للاستفادة من انخفاض قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وحققت مبيعات العقارات أعلى معدل لها في 2020، حيث بلغت 1499316 منزلا، مقابل 1375398 منزلا في 2018، بنسبة زيادة بلغت نحو 9 بالمئة.
وحسب موقع “عربي 21″، فإن “نسبة زيادة أسعار العقارات في تركيا حطمت الأرقام القياسية خلال فترة ما بعد جائحة كورونا، إذ تراوحت بين 100 إلى 300 بالمئة حسب المنطقة والمدينة”.
ولفت إلى أن “الزيادة في أسعار العقارات بتركيا تجاوزت للمرة الأولى قيمة الزيادة في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، مرجعا ذلك إلى الارتفاعات القياسية لتكالیف مواد البناء وأیضا محدودیة الأراضي المرخصة رسمیا للبناء، والأھم من ذلك، حقیقة أن أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرین أصبحوا یركزون على شراء العقارات السكنیة خصوصا بعد انخفاض قیمة اللیرة التركیة”.
وتتوقع المصادر بحسب الموقع نفسه، أن تتجه أسعار العقارات والإيجارات في تركيا إلى مزيد من الارتفاع، خاصة أن عروض الإيجار أقل بكثير مما يحتاجه السوق، موضحاً أن”سعر العقارات حاليا يتم تحديده وفق السعر الأعلى للدولار في آخر ستة أشهر من العام 2022، ما يعني استمرار ارتفاع أسعار المنازل في حال تراجع الليرة أمام الدولار.
ومع تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، ارتفعت معدلات بيع العقارات في تركيا للأجانب خصوصاً في المناطق السياحية في إسطنبول ومدن أخرى تقع شمال غربي البلاد.
ويرى مراقبون أن “أسعار العقارات ارتفعت في مختلف المدن التركية جراء ارتفاع معدّلات التضخم في البلاد، وقد أدى ذلك إلى وضع المدن التركية في مقدّمة مدن العالم التي ارتفعت فيها أسعار العقارات“.
وضمن مساعي الحكومة التركية لوقف الارتفاع الهائل في أسعار المنازل، أعلن الرئيس التركي عن أضخم مشروع لـ”الإسكان الاجتماعي” في تاريخ البلاد، والمقرر أن يؤمن 250 ألف منزل خلال عامين.
وكانت أسعار المساكن بتركيا قد ارتفعت بحسب خبراء، مدفوعة بالتضخم الذي وصل خلال أيلول/سبتمبر الماضي 2022، إلى 83.45% وهو الأعلى منذ 24 عاماً، لتصل أسعار المنازل بالمدن الكبرى بين 100 و150 ألف دولار.
وبحسب موقع endeksa.com التركي، الذي يجمع بيانات عن سوق الإسكان، فقد ارتفعت أسعار المنازل بإسطنبول خلال عام بنحو 173% وبأنقرة بنسبة 129%، لتكون نسبة ارتفاع المنازل الأكبر بولاية أنطاليا التي وصلت فيها نسبة الارتفاع السنوية إلى 183%.