تصادف اليوم السبت، الذكرى الـ 108 لمعركة “جناق قلعة” التي توصف بـأنها ملحمة تاريخية سطّر فيها العرب والأتراك أروع البطولات ضد قوات التحالف الصليبي بقيادة بريطانيا.
ففي الـ 18 من آذار/مارس عام 1915، شنت القوات الفرنسية والبريطانية حملة عسكرية مشتركة خلال الحرب العالمية الأولى، بهدف احتلال العاصمة العثمانية إسطنبول، حيث دارت معارك الحملة في شبه جزيرة”جناق قلعة” أو ما تعرف باسم “غاليبولي” على مضيق الدردنيل.
وتُحيي تركيا في 18 آذار من كل عام، الذكرى السنوية لانتصار الدولة العثمانية في معارك جناق قلعة ضد قوات الحلفاء، حيث حاولت قوات بريطانية وفرنسية ونيوزلندية وأسترالية احتلال إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية آنذاك، وباءت المحاولة بالفشل.
وبدأت معركة جناق قلعة بشنّ أسطول مؤلف من سفن إنكليزية وفرنسية هجوما واسعا بلغ ذروته في 18 آذار 1915، لكنّه باء بالفشل، أعقبة هجوم بري دخلت خلاله القوات الإنكليزية والفرنسية لتتمركز في 5 مناطق جنوب شبه جزيرة جناق قلعة، في 25 نيسان/ أبريل 1915.
واستطاعوا في البداية إحراز تقدم ضئيل، لكن سرعان ما اختلفت الموازين لمقابلتهم إرادة الجنود العثمانيين، مجبرة إياهم على التراجع لتفشل مخطط استيلاءهم على غاليبولي، على الرغم من وصول قوات لإمداد الحلفاء.
وكانت وجهة نظر بريطانيا أن إسطنبول والتي كانت تسمى القسطنطينية في العهد القديم، هي إرث لهم فإن العثمانيين فتحوها بالتكبير والتهليل على يد السلطان محمد الفاتح، ويجب أن تعود مهما كلف الأمر، وباحتلال العاصمة فإن الدولة العثمانية تضعُف أكثر فأكثر، إلا أن خطتها باءت بالفشل والهزيمة.
وكانت معركة “جناق قلعة” نقطة تحول لصالح الأتراك، إذ انتصروا فيها على القوات المتحالفة خلال الحرب العالمية الأولى، التي كانت بداية حملتها من جناق قلعة ثم بحر مرمرة ثم البوسفور ثم مدخل البحر الأسود للوصول للشمال الشرقي من تركيا.
ولم يكن للدولة العثمانية آنذاك فعل شيء إلا خوض هذه المعركة أمام الاتفاقيات التي عقدتها الدول الكبرى المتحالفة ( إنكلترا وفرنسا)، التي تنوي الاستيلاء على إسطنبول، فاتحةً بذلك الطريق أمام روسيا لإمدادها بالمساعدات العسكرية والغذائية في حربها ضد ألمانيا، حيث كانت روسيا بالكاد تنتج ثلث حاجتها من المعدات العسكرية، بالإضافة إلى المعاناة التي كانت تعيشها روسيا جراء قطع علاقاتها التجارية مع العالم.
ومن أبرز ما جعل قوات التحالف تفشل في حملتها هو الافتقار إلى المعلومات الاستخبارية الكافية والمعرفة بالتضاريس، إلى جانب مقاومة الدولة العثمانية الشرسة آنذاك، مما أدى إلى إلحاق خسائر فادحة بقوات الحلفاء وعدم قدرتها على إحراز تقدم كبير.
وارتقى في المعركة شهداء من سراييفو (عاصمة البوسنة)، ومن غُمولجينا (باليونان الآن)، ومن باطومي (جورجيا)، ومن حلب (السورية)، وسكوبيه (عاصمة مقدونيا)، ومن باكو (عاصمة أذربيجان)، ومن غزة والقدس (الفلسطينيتين)، ويرقدون جنبا إلى جنب في هذه الأرض المقدسة مع شهداء من إسطنبول وأنقرة وجوروم ويوزغات وغازي عنتاب وماردين وأدرنة (التركية) منذ 108 أعوام.
و بحسب الإحصائيات من مصادر تركية وعربية، فقد سقط في أرض هذه المعركة 56 ألف شهيد، في حين قُتل من جانب التحالف ما يقارب 300 ألف جندي.
ووصف مؤرخون اليوم الأخير الذي حسم الأمر في المعركة بأنه “يوم من أيام الله الذي ينتصر فيه الحق على الباطل وتُرفع فيه رايات العدالة في الأرض، فجيوش مجتمعة لم تستطع وتجرؤا على جيش واحد وهم كانوا يفوقون الجيش العثماني بالعدة والعتاد”.
وفي كل مناسبة يستذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعركة قائلاً “إن نصر معركة جناق قلعة، نصر للشعوب المظلومة بقدر ما هو نصر لتركيا ولشعبها، وبالنظر إلى شواهد المقابر في جناق قلعة يمكن التأكد من أن النصر المجيد في جناق قلعة هو نصر لكافة المظلومين، بقدر ما هو نصر لتركيا ولشعبها”.